حلم النجاح السريع يراود ذوي النَفَس
القصير، وهم كُثر في الأجيال الجديدة، لم يعد لديهم طول البال الذي يجعلهم يستمرون
في شيء إلى النهاية أو لأمد طويل. وفي عصر السرعة تحول كل شيء أمامهم إلى وجبة
سريعة يجب الانتهاء منها للانتقال لما بعدها، فلا طاقة لهم للركون إلى نفس الشيء
لوقت طويل.
لذلك عندما تضع بين أيديهم منصة مثل
تطبيق تيك توك TikTok
ليوفر لهم متعة ومرحًا مدتها 15 ثانية على أقصى تقدير للفيديو الواحد، فأنت قد
ضمنت الانتشار والنجاح بينهم.
|
خدعة شبكة تيك توك TikTok الاجتماعية
على جانب بعيد من مواقع التواصل
الاجتماعي، التي ازدحمت بالآباء والأمهات
والأجداد، وحتى الشباب من
الأعمار الأكبر ما قبل جيل منتصف التسعينات وأوائل الألفينات، اتخذ أولئك
“المراهقين” و”النشء” منفذ لهم، بعيدًا عن أعين “الرقيب” و”العتيد”
من أفراد العائلة “الدقة القديمة”، ليعبروا عن أنفسهم من داخل غرفهم
المغلقة، أو في الشوارع المفتوحة متحدين نظرات استنكار المارة بالرقص والحركات
التعبيرية “المتمردة” ونشرها على الإنترنت ليشاهدها ما يقارب الـ500 مليون مشترك
حول العالم على تطبيق الـ”Tik Tok” الصيني،
المملوك لشركة “بايت دانس – ByteDance” الصينية، التي حققت قيمة سوقية تعد الأكبر على مستوى العالم
مقارنة بمثيلتها من الشركات الناشئة والتي تقترب من 7.5 مليار دولار، حققتها باستغلال أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 13 إلى 18 عامًا،
حددها التطبيق كفئة عمرية أشيع لمستخدميه.
فشل تطبيق Musical.ly
في أغسطس 2014
قرر أليكس زو، إطلاق تطبيق “ميوزكلي – Musical.ly”، بعد فشل التطبيق الأول الذي طرحه وشريكه لويس يانج في الأسواق،
والخاص بعرض فيديوهات تعليمية قصيرة لا تتجاوز 5 دقائق لقتل
الملل عند الباحثين عن الدورات التعليمية المتخصصة الـ”on line”، ما يتيح لهم فرصة أكبر للتعلم،
والاستفادة من المحتوى المرئي المعروض، نظرًا لأن طول الفيديو التعليمي يصيب الأغلبية بالملل، وبالتالي الانصراف عن المحتوى، إلا أن التطبيق ومنذ
اليوم الأول لطرحه كان
مصيره الفشل، فكان البديل تحويل الفكرة
من فيديوهات لـ”التعليم” إلى “الرقص”، وتأدية مقاطع الـ”بلاي باك”، نظرًا لأنهما في مأزق حيث يدينان بـ250
ألف دولار للمستثمرين الذين تبنوا فكرتهما، ولم يتبق معهما سوى 8% منها لأن تصوير
محتوى تعليمي أمر مكلف، على حد تصريح “زو”
وقتها، وقد نجح الأمر، وحاز “ميوزكلي” على شهرة عالمية وانتشار واسع.
التعليم لن يطعمك، الرقص سيفعل
في سبتمبر
2016 أطلق الصيني تسانغ يمينغ،
تطبيقًا جديدًا أسماه “Tik tok”، مبني على فكرة “ميوزكلي”، الذي نجح في جذب المراهقين لمدة عامين متتالين، وبحسب ما نشره موقع الجديد فيه حسب تقرير نشره موقع “inews” البريطاني وقتها فإن مستخدمي تطبيق “ميوزكلي”
انتقلوا بحساباتهم عليه إلى “تيك توك” دون حاجة إلى إنشاء حساب جديد، والسبب في ذلك هو أن أليكس زو صاحب “ميوزكلي” هو نفسه نائب المدير
التنفيذي لتطبيق “تيك توك”!
استمر
كلا التطبيقين في النجاح كلٍ على حدى إلا أن “تيك توك” كان الأكثر نجاحًا
وانتشارًا خاصة في 2018، حيث أكدت إحصائيات شركة (سنسر تاوور)
للبحوث في السوق، أن التطبيق تم تحميله أكثر من 45.8 مليون مرة في الربع الأول من العام الجاري، وتم تداوله في 150
دولة ومنطقة في العالم، وتصدر قائمة الأكثر تحميلًا على المتاجر الإلكترونية، أكثر
من “فيس بوك”، و”تويتر”، و”إنستجرام”، كما ذكرت شركة البحوث
أنه تم استخدامه في الصين في 2018 فقط من قِبل 150 مليون مستخدمًا، واتسعت دائرته ليصل إلى مناطق
جديدة منها) كامبوديا وإندونيسيا واليابان
وماليزيا وتايلاند وفيتنام، وبالطبع الشرق الأوسط(، لينفذ صاحبي “ميوزكلي”، و”تيك توك” قرارهما باختفاء الأول لصالح الثاني صبيحة
يوم 2 أغسطس 2018، حيث استيقظ مستخدمي “ميوزكلي” ليجدوا أنفسهم دون سابق إنذار
على منصة “تيك توك”، بسبب
ضم العلامتين التجاريتين تحت
اسم واحد وتطبيق واحد، وصل عدد مستخدميه شهريًا إلى 500 مليون
مستخدم.
كلما خفت ملابسِك.. عظم شأنك
لذلك فإن
الفخ هنا هو الوصفة السريعة التي تتبعها بعض الفتيات لزيادة عدد المعجبين وهن لا
يمتلكن الموهبة ولا القبول اللازمين، هي تخفيف
الملابس أو ارتداؤها ضيقة،
ولكن ما يحصدنه في النهاية هو مشاهدات من ذوي النفوس الضعيفة الذين لا يهمهم شيء
سوى النظر إلى أجساد الفتيات،
وتعليقات خارجة تسيء إليهن قبل أي شيء آخر.
وحتى
الشباب
يمكنهم الحصول على النجاح والشهرة، ببعض التعبيرات الغبية المضحكة على وجوههم،
أو السخرية من «كرشهم»، أو تقمص دور الشبح (بالمعنى الدارج بين الشباب الصغير)
لتلقي فيض من «الهييح» و «الهاااح» من الفتيات المراهقات الراغبات في التعرف عليهم
والتقرب منهم.
العديد
من الفيديوهات التي تحصل على عشرات ومئات الآلاف من المشاهدات وتحمل عناوين مثيرة
وتكون عبارة عن تجميع لمقاطع فيديو من التطبيق للأسف، مجموعات منتقاة لأولئك
الفتيات اللاتي يقعن في فخ استخدام الجسد للانتشار. منها فيديوهات تجميع فقط Compilations، ومنها نوع آخر لشخص يقوم بعرض المقاطع
ويصور ردود أفعاله وتعليقاته عليها Reactions.
أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا
وفي خضم الصراع الوحشي بين الشركات العملاقة، والذي يتحكم فيه رأس المال بدون اعتبارات أخرى للتغييرات النفسية لشبابنا، يجب علينا الانتباه لما ينحدر إليه الجيل الجديد ومحاولة إرشادهم وتوعيتهم قبل فوات الأوان، إن لم يكن قد فات بالفعل.